صفحة:غابة الحق.pdf/96

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ويخال الكائنات جميعها تصوِّر لديه ملعب الهوى وتتنفس بأماراته وخواطره؛ فيظن الشمس ممثلة لديه أشعة جمال الحبيب، ويحسب القمر رسم وجهه مطبوعًا في مرآة الفلك ويخال الأهلة قلامات من ظفره، ويزعم الكواكب أعينًا ترشق نظرات الرقيب، ويفترض الجبال منطوية على معنى أثقال الجوى، أو يظنها أوتاد التمكين خيمة السماء على عالم الهوى، ويرى السحاب سارقًا دموعه والضباب ممثلًا ولوعه. لا بل يرى طوفان نوح كعَبرته ونار الخليل كزفرته، ويتخذ الريح رسولًا لتبليغ الأشواق، ويرى الماء مقلدًا له أنين العشاق، ويعاين الأغصان مترنحة بأعطاف المحبوب، والأطيار شاكية لوعة فراقه، والأزهار نافحة بعطر نفثاته، والغزلان تغزل بنظراته وتفك طلاسم لفتاته ونفراته. وهاك هذا القصيد شرحًا للعشق العنيد:

ماذا ترى في العشق ماذا تزعمُ
يا أيها الصَّبُّ الكئيب المغرمُ
هل فيه غير المؤلمات فدونه
مُقَل تسيل وأكبُدٌ تتضرمُ
إني نفقت العمرَ في سوق الهوى
بَخسًا ولم أربح سوى ما يؤلِمُ
كم ليلةٍ قضَّيتها وظُبَا الجوى
تُدمي الحشى فيسيل من عيني الدمُ
وكأنَّ صوت خفوق قلبي مزعجٌ
صمتَ الظلام فيدلهمُّ ويدهمُ
أصبو إلى برق الربوع إذا بدا
وأضجُّ ما لمعت لديَّ الأنجمُ
أبكي لدى خطرات كل تذكُّر
والأفق يعبِسُ والكواكب تبسِمُ
والليل بحرٌ هاج في عمق السما
فغدا به زبَد المجرة ينجمُ