صفحة:غابة الحق.pdf/94

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وصارخًا بلسان الروح هكذا: ها هنا يجلس التمدن على عرش الكمال فتتخذق أمامه بيارق الخشونة ويمزق التوحش ثوبه. هنا تخب بلابل السكون على منابر شجر السلامة فيصمت صياح القلق ويخفي الإضراب صوته، هنا ترن صنوح الأفراح وتضرب طبول البشائر فتخرس صرخات الأكدار ويتلاشى ذويُّ المصائب. هنا يشرق صباح الأعضاء ويتلامع شعاع التغاضي فيغور ديجور الضغينة وتنجاب الظلمة عن الحق، هنا يتبدد دخان الانتقام ويتقشع ضباب الغضب فيتضح أثير الصفح ويتلألأ ضوء الرِّضا، هنا تنفطر صخور القساوة وتمور جبال الجفاء فيجري سلسبيل الشفقة وتتمهد سهول الوفاء، هنا ثغر الابتسام ويضحك محيا الندى فيجم جبين الاكتئاب ويبكي وجه القتار، هنا يفرع غرس التمني، هنا يثمر غصن الرجاء، هنا تدور الهيئة على مركز التمام والكمال، هنا ينثل عرش العبودية وترفع الحرية بيارقها.

فإذا كان يوجد للمحبة أثمار طيبة المخبر وشهية المنظر كهذه الثمرات، فكيف لا تُحسب إذن دعامة راسخة للتمدن؟ نعم إن التمدن لا يستغني عن هذه الدعامة أصلًا، ولا يمكن ثباته بدونها كما لا يمكن وقوف قناطر الهيئة إلا عليها، وبعد ذلك فلا بد من وجوب حد للمحبة لا تتجاوزه لئلا تجانس ضدها في النتائج القبيحة، على أنه ولو كانت المحبة تحسب روح الانتظام البشري وحياته، لكن يوجد للإفراط فيها كثير من النتائج المضرة؛ وذلك كمعارضة السلامة مثلًا لمشروعات