صفحة:غابة الحق.pdf/92

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

عمن سيبسط عثنونه ويقول: كيف يسوغ لمن لم يسلم على عتبة مدرسة أن يتكلم عن اللاهوتيات بشيء لم يسعه إدراكه؟ وعلى أي قاعدة أثبت حكم القوة الفاعلة للقوة المنفعلة وضعضع الروحيات بالماديات؟ ثم يشهر المدرسية سيوف الشتائم مجردة من أغماد شهادات مزورة، ولكن ليأخذ حذره من انتقام الشبل عن الأسد.

أما لسان الصواب فيقول لذوي الدقة في التأمُّل هكذا: إن المراد من دعوى المحبة العامة ليس أن تكون هي نفس الذات الإلهية منبثَّة في جزيئات الخليقة، بل إنها هي القوة التي جعلها الله لتحريك الخلائق وتدبير الكائنات تحت أشكال مختلفة تدعى الناموس العام، وإذ ذاك فيكون المراد هو الإشارة إلى أن الإنسان إذا كان يحب نفسه فهو ملزوم تبعًا لهذه المحبة أن يحب شبيهه بالإنسانية تسديدًا لحق كماله الطبيعي؛ وذلك اقتداء بخالقه الذي عندما رأى ذاته ملء الكمال أحب ذاته وبمحبته هذه خلق العالم محبوبًا منه وجعل يدبر هيئة نظامه بما لم تدركه أفكار الطبيعيين؛ فأعطوا لكل حركة اسمًا مبهمًا. فينتج إذن أنه بالمحبة قد قام العالم جميعه، وبالمحبة تتحرك جميع الأشياء، وبالمحبة يثبت كلٌّ من المخلوقات على حدته، وبالمحبة يحافظ الكل على أجزائه وهكذا. فبدون المحبة بين البشر المطبوعين على فطرة الله لا يمكن قيام نظامهم الاجتماعي على الوجه المطلوب؛ إذ إن المحبة هي القوة الوحيدة للتأليف بين أفرادهم المتفرقة على وجه الأرض، والضابط الأول لنظام عالم تمدُّنهم، بخلاف البعض الذي ينزل