صفحة:غابة الحق.pdf/91

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الحياة مسالك الميل إلى أن تحافظ على أنواعها، فلماذا دُعيتُ تناسُلًا؟ أنا التي قد جمعت أشتات البشر إلى هيئة واحدة فكانوا متعاضدين في حروب الحوادث فلماذا سُميتُ اغتصابًا؟ أنا التي قد قفلت مصارع البحر وأتخمت كبرياء لُججه، فلماذا أُدعَى جزرًا ومدًّا؟ أنا التي حيثما نزلت عمرت وحيثما رحلت خربت، فلماذا لا يُكترث بأمري؟ أنا التي لا تغتني الطبيعة عني ولو طاردتني فلتات الأقدار، فلماذا ينكرني البعض؟ أنا التي اتَّخذني التمدُّن دعامة قوية له وبدوني لا يثبت له بناء، فهل يهدمني إلا كل متوحش؟

ها قد عظمت دعوى المحبة وتفاقمت إلى الغاية؛ لأنها قد جعلت لنفسها ربط العالم بأسره، وجعلت جميع الأسماء المستعملة في التعبير عن القوة المؤلفة مترادفة على معناها، حتى كأنها تَوَدُّ أن تشرح بذاتها معنى تلك المحبة الجوهرية التي قد أنشأها الباري بذاته أزليًّا، وأصدرها كلمة لتدبير الأكوان التي بها كانت وبغيرها لم يكن وبغيرها لم يكن شيء مما كون.

مهلًا مهلًا، فلا عاد يقدر هذا الكلام على إتمام سيره؛ فقد حاولت الاستطراق إليه أشواط المنتقدين، وها غبار أغراضهم بدأ يتصاعد عن بُعد، وكلٌّ منهم فاغر أتون فاه ليقذف دخان التفنيد، فالبعض يعبسون وجوههم ويقولون هو ذا يستنتج من هنا ألوهية حركة الموجودات، وآخرون يرفعون أنوفهم ويقولون: ها. ها. إنما يستفاد من هذا الكلام كون الكلمة ممتزجة ماديًّا في عموم الموجودات. وغيرهم يحملقون بأعينهم ويصيحون: هذا تعليم الماديين نفسه. وهذا فضلًا