صفحة:غابة الحق.pdf/89

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

في التمدن إذن إفراغ الهمة في تحسين هذه الكيفية وإتقانها، على أنه لا يسمح لهم التمدن قط بترك الشوارع والأزقة ضنكة معوجة رديئة التبليط والتخطيط، بل يطلب منهم دائمًا أن تكون مستقيمة عريضة ممهدة البلاط والخط؛ وذلك لأن الشارع أو الزقاق إذا كان ضنكًا يمنع سهولة تجدُّد الهواء ويعوق امتداد النور إلى مخادع الناس أو حوانيتهم؛ فيجلهم مستعدين للآفات الليمفاوية والدرنية كالسرطان والخنازير والسل والأورام الباردة والحدار واكمداد البشرة ونحو ذلك. وإذا كان معوجًّا فإنه يعسر انطلاق خطوات الناس فتتعثر أرجلهم وتتلاطم صدورهم وتتقارع جباههم؛ وحينئذٍ يكون السير في الزقاق عراكًا لا انتقالًا، وإذا كان وعرًا مستويًا فإنه يصدع أقدام الماشين ويسبب سقطات البهائم تحت أحمالها الثقيلة؛ فتتهشم حوافرها وتتكسر أرساغها، وذلك ينافي ما تطلبه الشفقة على البهائم التي لا نطق لها لتشكو مصابها وتندب عذابها، هذا ما خلا المؤيدات التي يجدها الشتاء هناك لأن يصنع بحيرات من الأوحال والأطيان بحيث يعود الناس ملتزمين لقوارب يخوضون بها ولا يبقى سبيل لسلوك العميان. ثالثًا «ترميم الأبنية»: وممَّا يتخذ دليلًا على تمدن المدينة أو خشونتها هو ملاحظة أمر أبنيتها؛ ولذلك يقتضي لقاصدي التمدن وُفور الاهتمام في إصلاح شأن الأبنية والمشيدات، وهذا يتوقف على فحصها كل مدة لاستعمال حالة متانتها وثباتها فرارًا من حدوث الأخطار؛ لأنه متى ترك الناس جسرًا لعبور السنين بدون ملاحظة أمره أحدثت فيه