صفحة:غابة الحق.pdf/88

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وبالإجمال نقول: إن الغاية الوحيدة للطبيعة هي قبول ما يناسبها لقيام حياتها ودفع ما يستنزل عليها صاعقة الموت بمغايرته لها ولو كان صادرًا عن ذات فعلها. ألا ترى كيف أنها تجتهد في طرد التراكيب الصديدية التابعة لالتهاب ما عضويٍّ إلى الخارج بواسطة النفث أو الغائط أو الاستطراق من المركز الانفعالي إلى بعض جهات المحيط البدني، حتى إذا لم يمكنها تتميم هذه العملية ودخل الصديد الفاسد إلى التيار الدموي ألقى عليها رعدة الاضطراب بإفساد جميع كتلة الدم وأماتها بعد نزاع شديد.

فإذا كانت الطبيعة لا تقبل ما يغرب عنها ولو كان آخذًا صدوره من ذات أجزائها لعدم نفعه لها، فكيف تقبل ما يكون غريبًا وأجنبيًّا معًا، ومن حيث إن الأقذار والأوساخ لها أشد الأفعال السمية كما سبق. فلا يسوغ — والحالة هذه — تغافُل أرباب التمدن عن ملاشاتها، ويجب الاعتناء الوافر بحفظ النظافة العامة للأسواق والشوارع، والخاصة للبيوت والمساكن فرارًا من تلك التأثيرات الرديئة ومراعاةً لحق المدينة. ولا شك إذا نظرنا إلى العمل البديهي الذي تصنعه الحيوانات بتنظيف ذواتها نأخذه دليلًا على ضرر القذارة ووجوب النظافة ومثالًا يقتدي به كل متغافل؛ إذ إن الحيوان لا يفعل إلا ما ترشده الطبيعة إليه طلبًا لما يصلح شأنها ودفعًا لما يفجع بها.

ثانيًا «تمهيد الشوارع والأزقة»: إنه ممَّا يستدل أيضًا على الحالة التمدنية لقومٍ ما هو ملاحظة كيفية الشوارع والأزقة، فمن أهم الواجبات للداخلين