صفحة:غابة الحق.pdf/87

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الدعامة الرابعة: صحة المدينة

إن أول شيء يُستدل به على تمدن أمة ما أو توحُّشها هو النظر إلى حالة مدينتها، فكلما كانت المدينة صحيحة كان التمدن صحيحًا، وكلما كانت سقيمة كان سقيمًا، أما كيفية هذه الصحة المدنية فهي تقوم تحت جملة أحوال، وأخَصها ثلاث: أولًا «النظافة»: إنه لا مناص للمتمدنين من بذل مزيد من الاجتهاد والاعتناء بتنظيف أسواقهم ومنازلهم تسديدًا لطلب الطبيعة نفسها؛ لأن المراد من ذلك ليس نوال الغاية الأدبية وحدها، بل الغاية الطبيعية أيضًا وهي إراحة الطبيعة الحيوية ممَّا يقلق نظامها ويزعج وظائفها، ولا يوجد خطْب أشدُّ تأثيرًا على هذه الطبيعة من دخول المواد الغريبة عنها إليها لا سيما إذا كانت مفسودة، فكما أن بعض الجواهر المعدنية لغرابة تركيبه يزعزع أركان البناء العضوي للجهاز الحيواني ويسلب مجموع حياته متى دخل إليه؛ هكذا تفعل الانبعاثات الفاسدة بالأوخام والأقذار عندما يحملها الهواء ويدفعها إلى عضو التنفس حيثما يتناولها الدم ويمر بها إلى مواقع التغذية. فكم تقاسي الطبيعة من الاضطرابات المرضية المميتة؟ وكم تلتمس الإنقاذ بلسان حال الانزعاج الوظائفي عندما تمازجها هذه المواد الغريبة؟ فهي السبب الأعظم لتهييج الحميات الخبيثة كأنواع التيفوس والتيفوئد، كما أنها سبب قوي لتمهيد طريق الوافدات الوبائية المهلكة كأنواع الطاعون والهواء الهندي.