صفحة:غابة الحق.pdf/86

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وإشاعتها. فهم تارةً ينسبون إلى بعض الحيوانات خاصياتٍ لو أمكن وجودها لكان الإنسان خليقًا بها، وكذلك كنباح الكلب دلالة على حدوث مصيبة، ونعق البوم إشارة إلى وقوع خراب، وهروب الطيور علامة على قدوم وباء. وتارة يتهمون الأفلاك بما تفعله الظروف والأقدار؛ إذ ينسبون إليها كل الحوادث التي تتم على الأرض عمومًا وخصوصًا؛ فيعطون الحرب للمريخ والسعد للمشتري والنحس لزحل والذكاء لعطارد وخفة الروح للزهرة والصقاعة للقمر وطبخ المعادن للشمس. هذا عدا أمور لا تُعد ولا تحصى ينسبونها إلى كلٍّ من هذه الأجرام التي تقسم بذواتها إنها لا تعرفهم، ولم تطرح عليهم قط لا حربًا ولا سلامة ولا سعدًا ولا نحسًا ولا غير ذلك فضلًا عمَّا ينسبونه إلى العين من التأثيرات وإلى الأحلام من التفسيرات.

فلا يمكن لأحد أن يحسن عوائده وأخلاقه التمدنية إلا إذا رفع من فكره الاعتقاد بمثل هذه الأكاذيب عالمًا أنها واصلة إليه من خرافات اليونانيين الذين كانت عباداتهم ورسومهم تسمح لهم أن يعتقدوا بمثل هذه الأضاليل.

وبالإجمال نقول: إنه يوجد شوارد شتى مما يقتضيه مقام هذا الكلام العام قد عدلنا عن جمعها حبًّا في الاختصار، إلا أنا نختم سياقنا هذا قائلين: إنه لا يمكن للتمدن أن يقبل في نظامه أدنى عادة قبيحة أو خلق رديء، ولا يقدر أحد على الدخول تحت ألويته ما لم يحسن عاداته وأخلاقه.