صفحة:غابة الحق.pdf/85

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

حدث في النفس لا يكف عن استنهاض ضده إيقاعًا لرد الفعل، وكلما كان وقوع الفعل شديدًا أو سريعًا كان رده شديدًا أو سريعًا.

وهيهات أن يُحسبوا متمدنين كل أولئك الذين يشرعون إذلال النساء وتحقيرهن وإهانتهن وربما ضربهن أيضًا؛ بِناءً على أن هذا الجنس ساقط ولا يستحق أدنى اعتبار، مع أن الأمر على خلاف ما يظنونه؛ فإن الجنس النسائي جوهر لطيف للغاية وأهلٌ لكل كرامة ويستحق كل الالتفات إليه، والطبيعة نفسها تدعو إلى إكرامه ومُداراته؛ إذ إنه الجزء الأهم في الإنسانية، والمساعد العظيم لقيام الجنس البشري والينبوع الأول لتغذية الحياة ومواساتها في زمن قصورها.

ولا يُحسب متمدنًا ذلك الرجل الذي يزعم أن الإفراط في معاشرة النساء ومخالطتهنَّ من واجبات التمدن غير عالِم أن كثرة التهافت على المرأة تجعل الرجل ذليلًا لديها، وكلما عز نفسًا ارتفع عندها مقامًا.

ولا تخلو سيماء التمدن على أولئك الذين عندما يتكلمون أو يتخاصمون يفغرون أفواههم ويرفعون أصواتهم إلى درجة تمزيق أوتار حناجرهم، حتى يكادوا يشاركون الجمل بجعجعته والثور بعجعجته والحمار بنهيقه. مع أن غاية التمدن هي نزع كل سمة بهيمية عن الإنسان. ولا تَحسن ثياب التمدن على كل أولئك الذين يُنزلون الخرافات منزلة الحقائق وينذرون بها على الآفاق غير عالِمين أنه لا شيء يدنس تلك الثياب النقية ويلطخها نظير اعتناق الأكاذيب والأباطيل