صفحة:غابة الحق.pdf/84

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الذريعة إلى قبة السماء؛ بحيث تَقْشَعِرُّ الأبدان انفعالًا منها ويستولي الكمود والانزعاج على كل سامعيها. ولكن قد يضمون إلى عقد التمدن بشرط أن يُبطلوا هذه العادة القبيحة ويعلموا أنها موروثة من أزمنة عرب الجاهلية الذين كانوا يكلفون الطبيعة الإنسانية في هذا الأمر ما تستعمله بعض الحيوانات، ويتحققوا أن إنسانيتهم تكون ساقطة سقوطًا حقيقيًّا حتى إنها لم ترث من أولئك القبائل سوى تلك العادة المستقبحة، وتركت كل ملائحهم الجليلة مثل الكرم والنخوة والحماسة وحماية الجار وقبول الضيف وهلم جرًّا.

وهكذا لا يُدعَون متمدنين كل الذين يجعلون الحزن شريعة ظالمة إلى حد أنها لا تسمح قط لمن يدخل تحت لوائها أن يستعمل أدنى شيءٍ من لوازم الطبيعة إلا بعد بضع سنين؛ فلا يمكنه أن يخفِّف عنه حرارة الصيف بلبس الثياب البيض ولو اقتضى ذلك إلى الإضرار بصحته، ولا يقدر على تنقية جسمه من الأوساخ وتنشيط وظيفة التبخير في ذهابه إلى الحمام ولو افترس القمل جلده وأهلكه الاستقساء، ولا يستطيع الخروج إلى البستان لأجل استنشاق الهواء النظيف ولو تسرطن جميع دمه، ولا يؤذن له بسماع آلات الطرب أو أصوات الغناء ولو أوقعته الأكدار في داء المراق، ولا يسوغ له أن يصنع في بيته شيئًا من المأكولات الطيبة عند إحساسه بقبولها حذرًا من قول الناس عنه إنه قليل الحس، ولكنهم قد يُحسبون من أرباب التمدن متى علموا أن الحزن شريعة تطلب عكس ما ينسبون إليها، وأنه انفعال كلما