صفحة:غابة الحق.pdf/83

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أميالهم المنحرفة.

ولا اعتبار لأولئك الذين ينفقون المبالغ الوافرة على تجهيز المآدب الفاخرة والولائم الحافلة في أيام المواسم والأعياد. ولا يدفعون فلسًا واحدًا لعمل الخير، لكنهم يُعتبرون إذا جعلوا ذلك الإنفاق مخصوصًا للأعمال الخيرية وعلموا أن عظمات المآدب والولائم إنما كانت معتبرة في هياكل الوثنيين عند تقديم الضحايا لآلهتهم يوم الموسم أو العيد.

ولا يُعدُّ مع المتمدنين أولئك الذين يتسابقون مسرعين إلى منازل بعضهم في الأيام الموسومة عندهم بالرسمية خابطين تحت شمس الصيف وغباره، وخائضين في أمطار الشتاء وأوحاله. ولا يوجِّه أحد منهم خطوة واحدة إلى فعل الجميل، وإذا وُجد منهم من يقصد ذلك الفعل سَدَّ الآخرون طريقه بحجارة الملامة، كما يرجمونه بها لو تأخر في مسابقتهم إلى قضاء تلك الرسوم الباطلة.

ولا يقبل التمدن مَن تثور في أعراسهم صيحات زغاريت النساء وصراخات جوقات الرجال، خصوصًا حينما يكون صدوح آلات الطرب داعيًا إلى الهُدوِّ والسكوت، فهم يجمعون بين المتضادات؛ إذ يتركون الآذان مصدوحة ومرتاحة معًا فلا يشتَمُّون رائحة التمدن ما داموا معتنقين هذه العادة الخشنة.

ولا ينخرط في سلك المتمدنين كل أولئك الذين متى دخلت المنية بيت أحدهم نهضت ضوضاء الولاول وطارت صراخاتها