صفحة:غابة الحق.pdf/78

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

هدم قصور آثور، والتغفُّل الذي كسف شمس فارس، والطمع الذي كسر صولجان مكدونية، والضغينة التي مزقت أحشاء فلسطين، والكبرياء التي ثلَّت عرش الروم، والخيانة التي قلبت ممالك الرومانيين، والبغض الذي شتت شمل لبنان وزعزع أركان دمشق.

ثم تنمو به الصفات الداعية إلى جلالة العمار كالشجاعة والنباهة والمحبة والاتِّضاع والدعة والإحسان والوفاء والأمنية؛ إذ يعود خبيرًا بغوائل تلك الأطوار الطالحة، وعليمًا بنتائج هذه الصفات الصالحة.

فبدون تثقيف العقل إذنْ لا يعدُّ الإنسان إلَّا مع البهائم التي لا عقل لها ولا يمكن أن يدعى متمدنًا قط.

الدعامة الثالثة: تحسين العوائد والأخلاق

إن النظر إلى عوائد البشر وأخلاقهم يعتبر كأعظم دليل على حالة تمدُّنهم ومقامه، فكلما كانت هذه العوائد والأخلاق جيدةً كان تمدُّن أربابها جيدًا وعاليًا، وكلما كانت قبيحةً كان قبيحًا؛ ولذلك يجب على الشعب الداخل في دائرة التمدُّن أن يبذل الاعتناء كثيرًا في تحسين عاداته وأخلاقه كي لا يكون تمدُّنه من باب الدعوى لا الحقيقة كما يشاهد ذلك في كثير من الأمم، ولما كانت العوائد والأخلاق تارة تعتبر في الخصوص وأخرى في العموم وجب أن يكون كلامنا عليها خاصًّا وعامًّا.

أولًا «الخاص»: إن المراد هنا هو النظر إلى تحسين العادات والأخلاق الشخصية؛ أي التي تخص الشخص المفرد، وهي إما طبيعية أو