صفحة:غابة الحق.pdf/77

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

سوى يد القداسة؟ أفلا يضطرب مخافة من بوائق الزمان عندما يرى أنطاكية مدينة الله العظمى ذات الأسوار العالية والحصون المنيعة قد أضحت رمَّةً مضجعة في قبر أنوبال؟ أفلا يرتجف لدى هيبة الأيام إذ يرى مدينة تدمر التي كانت مبنية بالصفاح والعمد قد صارت أطلالًا دارسةً ورسومًا بالية حتى لا يشاهد فيها سوى عواميد هابطة وعضايد ساقطة وهياكل مهدومة؟ أفلا يهجس كربًا إذ يعاين أن منبج ذات الصيت الرنان قد غدت كالسمك الذي لا صوت له؟ أفلا يقف متحيرًا عندما يصعد على رأس سمعان ويرى أن جميع ما كان يحويه من المدن العظيمة والقرى الخصبة والمزارع الناضرة والأديرة العامرة والكنائس الرحبة قد صار خرابًا تامًّا ودمارًا لا مزيد عليه بحيث لم يبقَ سوى بعض رسوم وأشكال؟ وبعد هذا فلا تسحقه صواعق الاشمئزاز عندما يتأكد أن جميع هذا الخراب هو نتيجة الجهل والتوحش؟

فبالإجمال نقول إن العلم هو الفاعل الأعظم لتثقيف العقل والمروِّض الأكبر لجماح الطبائع، والسبب الأهم لتشييد التمدُّن والعمار إذ هو يرفع أفكار الإنسان إلى الحقائق السامية فلا تعود دائرةً على مستحقرات الأشياء، ويرسم في مرآة ذهنه صور الكائنات الدقيقة فلا يعود هاذيًا بخزعبلات الأمور فتنطفي من قلبه توقُّدات الحسد بنظره إلى زوال المحسودات، ويطرد من صدره ضواغط الطمع بإدراكهِ حقيقة المطموعات، وتتلاشى من روحه بقية الأطوار المنتجة رجسه الخراب كالقساوة التي غرَّقت مراكب مصر، والالتطاخ الذي