صفحة:غابة الحق.pdf/76

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أفعالهم قد هبطوا إلى الحضيض، لا بل يظهر له أن كثيرًا من الممالك العظيمة القوة والراسخة الأركان قد أفضت بها قبائح السلوك إلى الاضمحلال والملاشاة، وكثيرًا من الولايات الصغيرة قد آلت بها قوة الأطوار الحميدة إلى الاتِّساع والامتداد ورفعتها إلى سماء المجد والكرامة، وخاصة يظهر له أن أفعال الخشونة والتوحُّش ليس كانت تبدُّد الممالك وتستأصل الملوك فقط، بل كانت أيضًا تشتت العباد وتهدم البلاد مهما كانت حصينة وغنية. أفلا يشعر بحركة غامضة في أعماق قلبه تدعوه إلى احتقار العظمات الإنسانية والفخفخات١ الكاذبة وتجذبه إلى الاتصاف بالصفات السليمة والتخلُّق بالأخلاق الحميدة؛ وذلك حينما تمتطي تأملاته السرية خيول التاريخ، وتجري في برية سوريَّا مثلًا حيثما يشاهد أن عظمة ذلك الإقليم القديم العهد والكريم التربة والأصل قد استحالت بفعل الأجيال الخشنة إلى دمارٍ مهول؛ حيث لا يرى سوى خرابات تلقي الكآبة على الأبصار، وعدد قليل من الشعوب المفتقرة بدل تلك العظمات السابقة والمجد الزاهر والغنى الوافر. أفلا يطرق تأسفًا إذ يرى صور مدينة الفينيقيين التي كانت مركز تجارة العالم ومحطَّ رحال الآمال قد صارت نسيًا منسيًّا ولم يبقَ فيها سوى شباك الصيادين؟ أفلا يرتعد لدى سطوة الحدثان حينما يرى أورشليم مدينة داود ومحل عظمة سليمان قد أصبحت قريةً لا يُذكر منها سوى المحلات التي لم يحفظها