صفحة:غابة الحق.pdf/75

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

عجائب الخليقة وغرائب الحوادث. فتارة تطير به إلى قمم الجبال العالية فيرى ما بها من الأودية العميقة والسلاسل المستطيلة والينابيع الجارية؛ فيفكر فيما سبَّب المرتفعات وما أحدث المنخفضات وما جمع المياه. وأحيانًا تمر به على السهول الواسعة والبحار الشاسعة والأنهار المتدفقة؛ فيقف متفكرًا فيما جمَّد اليابسة وجمع السوائل إلى مكان واحد. وأوقاتًا تسيح به في الأقاليم والأقطار فيستوقفه اختلاف العرض والطول في ميدان التأمل لتباين المناخات والأهوية، وطورًا تترحل به إلى بلاد لا عدد لها وأماكن لا تُحصى، وجميعها تختلف باختلاف المواقع والوقائع؛ فيقف متحيرًا بما تحويه الأرض من الأمم والقبائل المختلفة بالمذاهب والمشارب والهيئات. ومندهشًا لما يراه من أحوال البلدان والسياسات والشرائع، وممعنًا فيما يعاينه من الصنائع المتنوعة الأشكال والتجارات المتشكلة الأحوال، وهكذا يطوف به هذا العلم إلى أقاصي العالم بدون أن يترك له سبيلًا للجَوَلان في عالم المآثم وهو جالس على وسادته غير مبارِح صديقًا ولا مفارق حبيبًا.

وكيف لا يبدل الأعمال الرديئة بالصالحة عندما يكشف له التاريخ حجب الأجيال الغابرة ويطلعه على كثيرين من البشر الذين كانت أعمالهم سببًا لأحوالهم إن رديئة فرديئة أو صالحة فصالحة. ويظهر له كثير من الناس الذين بواسطة سموِّ أفعالهم قد بلغوا أسمى المراتب وأعلى المنازل، وكم وكم من الناس الذين بواسطة دناءة