صفحة:غابة الحق.pdf/62

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المذكور، ومن يعلم أن مكدونية التي ابتلعت تينك الأمتين لم تكن هكذا، ومعلوم أن رومية التي خفق نسرها على المسكونة قد كانت أكواخًا.1 ولما فرغ الفيلسوف من مقالته هذه نظر إليه الملك نظرة المندهش وقال له: ولئن كان خطابك هذا مبنيًّا على نتائج الوساوس والظنون مفعمًا من أحلام المخيلة وأوهام الفكر، إلا أنه مع ذلك لا يخلو من رائحة الصواب وسمة الحقيقة فلا بأس فيه.

وهكذا رمقته ملكة الحكمة بمقلة المرتضي واستصوبت خطابه، وبعد وقوع السكوت في مرسح المطارحة برهةً زهيدةً وخلو الكلام من الموضوعات، أخذ الملك يناجي الملكة بصوت سرِّيٍّ لم أعلم من موضوعه سوى الأهمية.

وإذ رأى الفيلسوف أن بواعث المناقشة صارت تحُول بينه وبين الخواطر، نهض مخليًا لهما ساعة المناجاة وسار قاصدًا جهة قائد جيش التمدُّن الذي كان يتخطر على مسافة، ولمَّا دنا منه وتلاطمت النظرات تبادلَا مصافحة الأكُفِّ وسلما على بعضهما، ثم جلسا معًا على جذع شجرة عظيمة قد أضجعها الزمان.

ولما مكن الفيلسوف نظره من القائد وجد عينيه متقدتين بلهيب الغضب، ووجهه مبرقعًا بسحابة الغيظ، وأثوابه مضمخة بالدماء، علم أن هذه الظواهر ناجمة عن مواقع الحروب؛ فأخذ يُطَيِّبُ خاطره بعبارات لطيفة، ويبشره باقتطاف ثمرة مشروعه قائلًا:

  1. قوله أكواخًا في القاموس: الكوخ بالضم والكاخ بيت مسنم من قصب بلا كوة، والجمع أكواخ.