صفحة:غابة الحق.pdf/61

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

يتراكضون إلى الأسلحة أفواجًا، ويندفعون من أبواب الأسوار كاندفاع الصواعق من بطون السحب وهم يصرخون: لا جبن إلا وراء السور. وكان الأمير ساعيًا أمامهم كأحد الجنود.

أما النساء فكنَّ يحافظن على الأولاد ويجهزن أدوات الحرب، وهكذا أخذت الحرب تنتشب بين الجيوش؛ فكانت أصوات المقاليع ترن بين الأودية، والحجارة تترامى بين الصفوف، وعمد الحديد تتساقط على الرءوس، ولم يزل حتى صارت الصدور تتلاطم والأيدي تتقاوم، وكان الغبار يتصاعد من الأرض كتصاعد الدخان من فم الأتون. وما برحت هذه الملحمة حتى أخذ جيش العدو يتقهقر إلى الخلف ناكصًا على الأعقاب، وصارت جيوش المدينة تنادي خلفه بالغلبة والظفر، ولم تلبث أن شتَّت شمل الأعداء ونثرت نظام صفوفهم واستأسرت أكثر أجنادهم فوقعت خشية الأمير في قلوب سائر الأخصام، وعمت هيبته على كافة الصقع وازدادت محبته في نفوس شعبه الخاص وصار الجميع يقدمون له الخراج ويقولون: ليعِشِ الملك ولتَدُمِ المملكة.

وهكذا لم تزل هذه المملكة تنمو وتتسع ويمتد سلطانها إلى الأباعد، حتى صارت أخيرًا واسعة السياسة قائمة الشرائع والروابط؛ بحيث لم يمكن لأحد أن يعيش إلا تحت ذلك النظام.

فحينئذٍ يظهر لنا ممَّا تقدم أنه قد كان ظهور السيادة والسياسة على هذا النمط في العالم القديم وعلى ذلك المنوال كان قيام الممالك. فمن يعلم أن مملكة آثور أو فينيقية لم يكن ظهورها وامتدادها على النسق