صفحة:غابة الحق.pdf/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

مختلة بسربال الهدوِّ والسلامة، تطفح في حاناتها كاسات السرور، وتشدو في حدائقها بلابل الحبور، وإذا عَجَاجٌ يثور عن بعيد، ونقع غبار يتصاعد إلى الجو، حتى عاد يُظن أن زوبعة شديدة قد نهضت من جوف الثرى وهمت أن تكحل أعين السماء بإثمد تراب الأرض، وكانت أصوات كهدير هجمات المياه تهب من تلك الجهة، فصليل تمازجه قعقعة اللجم وصهيل تتخلَّله نقرات حوافر الخيل. وما كان إلا كتردد الفكر بين شَكٍّ ويقين، حتى أسفر ذلك الغبار عن جيش جرار يتموَّج على الصهوات ويفري بطون الفلوات.

فلما نظرت عينا الأمير ذلك العَجَاجَ الثائر وسمعت أذناه تلك الأصوات الضاجَّة، لم يعد عنده ريب أن عدوًّا سمع بجلال مدينته فدفعه لهيب الحسد إلى إشهار الحرب وإيقاع الحصار.

ولما ثبت عنده ذلك الغضب المقبل، أخذته ثورة الحَمِيَّة ودارت في رأسه حرارة الوطن، ونادى في جميع المدينة معلنًا صوت الحرب حيثما صارت كافة الأهالي فريسةً ترتعد بين مخالب الجزع والهلع لما عاينوا مما لم يعاينوا؛ فأوعز إليهم أن يجتمعوا في إحدى الساحات الفسيحة رؤساء ومرءوسين، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء، بدون أدنى امتياز أو مميز؛ لكون الجميع يلزمهم أن يحاموا عن حقوق الوطن ويقتسموا مطاليب محبته سوية لوجوب حقه على كل من لا ينكر عليه حق التمتع بخيراته.

وعندما تم الاجتماع وشملت النخوة كل الجموع وقف ذلك الأمير