صفحة:غابة الحق.pdf/57

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ويحامون عن حقوقه وبيته بكل مقدرتهم، وهو كان يضاعف اهتمامه بجميع صوالحهم العامة والخاصة، غير مفتكرٍ إلا في دوام راحتهم، ولا ملتفت إلَّا إلى وقايتهم من كل المزعجات، مسميًا إياهم شعبه وأولاده.

ولما كان لا يمكن لنظر الراوي أن يدرك جليًّا كيفية امتداد تلك السياسة على العالم، ولا أن يستوضح حقيقة المسلك الذي نهجته لها الأقدار لما يعارضه هناك من ظلمات الأحقاب والأعصار، وجب عليه حينئذٍ أن يستخدم العقل كمصباح لكي يمكن لأعينه بواسطة أشعة الانتقالات الفكرية أن تنفذ في تلك الظلمات الدامسة فتفوز بمشاهدة ما وراء ذلك.

فهلمَّ إذنْ يا أيها الراوي واتْلُ علينا بقية ما جرى هنالك، وأخبرنا عمَّا عثرت عليه من المواقع بعد أن استطلعت العقل نيرًا في أوج الغوامض.

إنني بعد أن أولجت نظري طويلًا في بحر زاخر من الظلام الهائل حيثما كانت أمواج التيه والمعاثر تتلاطم تحت مَهَبِّ عواصف الأيام والليالي، أنفذته أخيرًا من هذه اللجج العميقة إلى سهل فسيح الأمد يعانق بباع نهايته أفق البداية، وإذا مرسح عظيم قد انفتح أمامي؛ وإذ كنت عاجزًا عن استجلاء الأشباح اللاعبة فيه تمامًا لشدة توغلهم في عباب القدميَّة، وضعت على أعيني نظارة الاستقراء وجعلت أتأمل.

فرأيت جموعًا عديدةً من الناس قائمين بمهمات عظيمة، ومقيمين ضوضاء حافلة وهم يصيحون بعضهم على بعض قائلين: هلموا نبتني