صفحة:غابة الحق.pdf/56

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وأثمارها مضاعفةً، فصاروا يدفعون الأعشار لأميرهم أجرة لما كان يعانيه لأجلهم؛ لأنه كان يحمي برجاله مزارعهم وحقولهم، ويمنع تعدِّي هذا على أمتعة ذاك، مدافعًا عن تخومهم هجوم المغتصب، ساهرًا على جميع أحوالهم السياسية بدون أدنى خلل في ترتيب الجمهور، حاكمًا ما بينهم بالعدل، قاضيًا بالإنصاف ناشرًا على الجميع راية شريعة واحدة، غير ملتفت إلى الامتيازات الأدبية ما لم يكن لأربابها نفع الصالح العام، مجتهدًا بكل إمكانه في راحة شعبه ورفاهيتهم، عارفًا أن من يأخذ أجرته يطالب بالعمل، وإذا لم يعمل يسقط من عين ذاته بحيث من لا يؤْثِر أن يعمل فلا يأكل، عالمًا أن السياسة أو الرياسة إذا وقعت في غير محلِّها تطلَّب من الشعب إنقاذها، غير مأخوذ بخمرة حب الرياسة التي متى خامرت العقل منعت بأبخرتها الكثيفة نفوذ أشعة الصواب فيه. متيقظًا لكل واجباته، صاحيًا في كل أعماله، ذا سلوك حسن مع الجميع، محبًّا للغرباء، قادرًا على السياسة، لا سكيرًا ولا ضَرَّابًا ولا طمَّاعًا، وبعد مضي فترة من الزمان صار أولئك القوم ينحتون من الجبال حجارة ويشوون من التراب قرميدًا ويوقدون من خشب الشجر نارًا.

ولما رأى أولئك القوم أن هيئتهم الاجتماعية قد انطوت على كل شروط الأمن والسلام، وصارت حديقة حياتهم تزهو بأثمار الدعة والسكون تحت سياسة أميرهم واعتنائه، أعلنوا جميعهم وجوب الطاعة والانقياد له، دافعين قلوبهم إلى محبته، وصاروا يسمون ذواتهم عبيده،