صفحة:غابة الحق.pdf/54

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
ما زال مد النور يدفع في العلا
جزر الظلال كعاصفٍ لغبار
حتى امتلا جوف الفضاء من الضيا
وزهت بذلك كافة الأقطار
والنهر أصبح بالسنا متموجًا
فجرى يرد الضوءَ للنُّظَّار
فترنم القمري فوق غصونه
طربًا وفاحت نسمة الأسحار
والنَّسر هَبَّ إلى العلا كأنه
يبغي المسير مع السحاب الجاري
ومن الغمام الشمس حين بدت حكت
وجه الحبيبة لاح تحت خمار

وإذ أفاق من غفلات هواجسه نظر إلى أولاده ونسائه، فرآهم جالسين حوله كغروس الزيتون وهم يتعاطون كُئوس الحديث، فأخذ يخاطبهم هكذا: ها إن مَعارض الصدف قد دفعتنا إلى هذا المكان الفاخر، فلنلبث به ولا نَحِدْ عنه. وعلى ما أرى إنه لا يعوز شيء ها هنا ممَّا تحتاجه حياتنا؛ فها أشجار تطرح علينا أفياءها وتنثر أثمارها، وينابيع تدفق لنا مياهها، ومواشٍ تسمح لنا بألبانها ولحومها. وإذا أرعد البرد فرايصنا وغرَّقتنا الأنواء نصنع من صوف هذه الحيوانات ثيابًا تدفينا ومضارب تقينا. فاشربوا هنيًّا وكلوا مريًّا في جنات تجري من تحتها الأنهار، حيث لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.

فولين كان التاريخ يعجز عن تمزيق حجاب القدميَّة القصوى ليكشف لنا تفصيل ما أحدثه الزمان مع تلك العيلة هناك، إلا أنه مع ذلك قد ينهج لنا طريقًا نسير به على قدم الاستقراء إلى حيث نقول: