صفحة:غابة الحق.pdf/53

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

بكل أكاليل الجمال، وسكبت عليها مياه البهجة والازدهار، والتفت إلى جمهور ذريته وقال: هو ذا مدبر العالم ومديره قد أرشدنا إلى مقر الراحة في مكان خضرة حيث لا بكا ولا تنهد؛ فهلموا لنمكث ها هنا تحت هذه الأفياء الممتدة بين الزهور والينابيع، ونستريح مما قاسيناه من النَّصَب والوصب في تلك البرية الجدباء. فأحنى كلٌّ منهم رأسه امتثالًا وساروا جميعًا تحت إيعاز إشارته إلى حيث المحط. فكان حلولهم تحت ظلال دوحة لا تلتفحها لفحة الرمضاء، ولا تخترقها أشعة البيضاء.

ولما استروح الكل ريح الارتياح، وطفحت على شفاههم تبسُّمات الأفراح، جعلوا يتبادلون أحاديث البارحة، ويتذكرون كل غادية ورائحة. أما ربهم فقد كان شاخصًا في الأفق حيثما كانت تتراقص بنات الصباح ذوات الأكاليل الذهبية أمام ملكة الشرق الراكبة على عجلة نارية، ومندهشًا بما كانت الأنوار ترسمه على وجه الطبيعة ذات الحلل السندسية، وكأنَّ لسان حاله يقول:

هو ذا الصباح بدا وبالأنوار
طبعت وجوهُ الكون في الأبصار
والشمس قد نشرت بيارقها على
قمم الجبال أمام جيش نهار
وعلى عمود الصبح قد شاد الضحى
برج النهار مسلحًا بالنار
والشرق أوتر قوس نور وانثنى
يرمي على الدنيا سهام شرار
وغدا يزج على الرياض أشعةً
كالنار تحرق أرؤس الأشجار
والفجر مَدَّ على السما بحر السنا
فهوت دراري الأوج في التيار
والليل مزَّق ثوبه حزنًا على
فقْد النجوم وغار في الأغوار