صفحة:غابة الحق.pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الأرض المُمحلة وتعب تلك الحياة التائهة، ونتمتع برغيد العيش. فما أتم كلامه إلا ورأى أقدام جميع تبعته تهرول أمامه إلى المحل المومَا إليه.

ولم يزل هذا المهاجر يطوي أديم الثرى حاديًا رحل رفاقه، آخذًا هدير الحيوانات دليلًا إلى حيث المناخ، حتى انتهى به المسير أخيرًا إلى بقعة رحبة الأرجاء؛ فوقف للحين واستوقف وأطلق نظرات التأمُّل ليرى جليًّا ما كان يلحظه عن بعدٍ خفيًّا، وإذا هو منتصب في غوط قد كسته العناية بوشاح الجمال العجيب، وكللته الطبيعة وأنوار الفصل الرطيب؛ فهناك كانت الشمس تسبل أشعة ضحاها على طلعة ذلك الروض الأزهر فيزدهي بألوان أجنحة الطاووس. هناك كانت الأنداء تتراقص على ثغور الزهر الأنور فتمثل تراقُص الحبب في أفواه الكُئُوس. هناك كان الجو الصافي يتعطر بأنفاس السحر فتهب نسماته ناشرة على الدنيا أطياب البشرى. هناك كانت عرائس الربيع ينثرن من رءوسهن لآلئ النور على حدائق الرياض، ويرسلن نظراتهن الصاحية إلى آفاق الأرجاء الغرَّاء، هناك كانت رءوس أشجار الخمائل تُحرَق بنيران أنوار المشرق، وأقدامها الثابتة تغرق في مسيل الماء المتدفق، وقدود أغصانها تترنح تحت عقود الزهور لدى خطرات الرياح، وصفحات أوراقها تتلامع بطفحات النور تلامُع الأسِنَّةِ والصِّفاح. هناك كانت الأطيار تصدح باختلاف الألحان، هناك كانت المواشي تسرح متنوعة الأبدان.

فلما شاهد هذا الإنسان سمو تلك البقعة الزاهرة، وكيف أن الطبيعة قد توَّجتها