صفحة:غابة الحق.pdf/51

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٤٢

في فسحات القفر الذي كان يقذفه بثَوَران العواصف القاصفة، ويلذعه بلهبات الهجير المستعر بين أثافي الجنادل والآكام. ولا مفرَّ من زوابع الجو التي كانت ترشقه بمعجزاتها؛ إذ ترسل بروقها لدى أعينه فتخطفها دهشة، وتطلق صواعقها في آذانه فيرتعد جزعًا، وتسكب أنواءها على هامته فيخر ساجدًا لديها طالبًا رحمة كأنه يطلبها من إله يستحق العبادة، كانت الأرض وقتئذٍ غير محروثة ولا مزروعة وعديمة كل فلاحة، ومع ذلك فقد كانت تزهو ببساطها السندسي الذي بسطته عليها يد الطبيعة تحت مضارب السحاب منسوجًا من كل شجر عظيم ونبات وسيم.

فبينما كان أحد أفراد هذا النوع العظيم مضطجعًا على كثيب مرتفع في فلاة قفرة الأديم تحت سماءٍ وضيئة الأثير رائقة النسيم، محفوفًا بنسائه وبنيه؛ وإذا بنسمة هبَّت عليه عند انتصاب عمود الصباح، منطوية على نفحات زهور متنوعة الأطياب، وحاملة صرخات المواشي التي كانت تُسَبِّحُ رب الفلق، فأرشدت لحظاته الزائغة إلى أفق شاسع يترعرع بجلبابٍ خضل الاخضرار، ويترقرق تحت مساحب ذيول الغمام ومساقط أنداء الفجر.

فعندما بدا لديه ذلك المشهد الناضر وثب على قدميه في الحال، وصاح بلفيف عيلته المقرون وهو باسط يد الإيماء قائلًا: أما تنظرون ذلك الأفق البعيد الذي يتبيَّن لنا من خلال البزوغ كيف هو بهج المنظر وحسن المظهر؟! قوموا بنا لنذهب إليه ونتجسسه عَلَّه يكون صالحًا لإقامتنا؛ فنتخلص من هذه