صفحة:غابة الحق.pdf/50

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٤٢

الاطِّلاع على حقائق الحوادث البشرية وطرائق حدوثها إلا في إطلاق طيور التبصُّرات الدقيقة لتحوم باسطة أجنحة البحث والاستقصاء على شواجن التاريخ العام، حيثما يشتبك شجر المواقع في منحدرات الأجيال الغابرة وتهوي غدران الوقائع من شواهق القدميَّة العالية.

فلا ريب أنه إذا تطلبنا معرفة أصل انتماء وانقياد العالم البشري بعضه إلى بعض، وكيفية انتشار السيادة والشريعة فيه، إنما يدعونا الأمر إلى التوغُّل في أودية التواريخ الفسيحة. وهناك تبرز لدينا عروسة غابة الحقائق من خباء الأزمنة السالفة مقدمةً لنا بين أناملها زهرة المراد، فنعلم حينئذٍ أن الإنسان لم يَسُد في أول أمره إلا على عيلته ومتعلقاتها فقط، ثم آلت به حركات الظروف إلى أن يسود ويسطو على قبيلةٍ، ثم أفضت به تلك السيادة والسطوة إلى التسلُّط على شعوب مختلفة وقبائل متنوعة حيثما نودي به: يعيش الملك.

فهات بنا لنهبط بأقدام الاستقراء في أعماق القدميَّة الغامضة حيثما قد ابتدأت تلك الحركات وأخذت بالصعود إلى قمة التَّمام الأقصى، حتى إذا ما بلغنا سدرة التتبُّع مخترقين فلوات الأدهار المتراكمة نجد أنفسنا منتصبين على عرفات البداية؛ إذ نشاهد الإنسان القديم يهرع إلينا شاهرًا حسام السيادة هكذا. إنه لما كان النوع البشري تائهًا في البراري وثقوب الأرض لا يجد له مقرًّا في بطون الأودية التي كانت تهدده بانقضاض قمم الجبال الشامخة عليه، ولا راحة