صفحة:غابة الحق.pdf/47

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

نيران الحروب يجب أن لا تقتصروا على أن تتركوا هذه المملكة وشأنها، بل ينبغي أن تكون مملكتكم موجهة كل قوتها إلى مساعدة مسراها وانتشارها.

على أنه إذا كانت دولتكم قائمة بالأبدان فتلك ثابتة بالأرواح. ومن المستحيل قيام البدن بدون الروح؛ فمن الجهالة تغافُل ذاك عن هذه. وإذا خامر أفكاركم الميل إلى محاربتها، فلا يخطر لكم إمكان الانتصار عليها، بل يجب أن تعلموا أنكم سترجعون القهقرى ناكصين على أعقاب الندم؛ لأن يد القدرة ممتدة دائمًا إلى مساعدتها وإغاثتها، حتى لا يمكن لنفس أبواب سقر أن تقوى عليها. وطالما اجتهدت ملوكٌ قبلكم بدثارها وإسقاطها ولم ينجح لهم اجتهاد، وبمقدار ما كانت الاضطهادات ثائرة عليها كانت هي تزداد قوة وامتدادًا إلى أن استغرقت في حضنها العالم وأخضعت كل ملوك الأرض تحت موطئ قدميها. وما ذاك إلا لكون العناية العُلوية قد سلمتها زمام السياسة ورافقتها في كل المسالك، ولن تزال هكذا تنمو وتكثر وتشحن الأرض إلى أن تتم المشيئة.

فبعد أن استوفى الملِك كلام الفيلسوف ووجده في غاية الصواب، أيقن ببطلان فكره وخطأ اعتماده، وعلم أن ما كان يبلغه البعض من أهالي مملكته ضد مملكة الروح هو ناشئ عن روح التغرُّض والتعرض. وهكذا عزم على تقديم الإعانة والإغاثة بدل المضاربة والمحاربة، وبعد فترة من الصمت التفت إلى ملكة الحكمة، وقال: إن جميع كلام هذا الرجل صواب، وليس فيه أدنى ارتياب. وكل ما