صفحة:غابة الحق.pdf/46

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المبين، ولو لم يرتفع قوس نصرها في ساحة العالم وتخفق رايتها على كافة الأقطار لكان النوع البشري يقع في هاوية الفساد، ويعم الخراب على جميعه، سيما في هذه الأجيال الأخيرة حيثما انتبهت الطباع الخبيثة من غفلات السذاجة لدى ارتفاع نهار التمدُّن الذي لا يوجد عنده لجمٌ لرد جماح تلك الطباع سوى ما تعلمه مملكة الروح. فإذا رغبت عظمتكم في خرابها تكون هذه الرغبة واقعة على نفس مملكتكم أيضًا؛ فلا تنقموا على ذواتكم.

ثانيًا: إذا كانت تمد سلاسل سطوتها إلى أعماق القلوب فلا يكون ذلك إلا لإيقاع التهديد والخوف على السرائر والضمائر الشريرة لا للاستيلاء عليها، فلو لم تكشف هذه المملكة حجاب غفلات البشر عن المستقبل وتظهر لهم ما يكمن فيه من المخاوف المستعدة لابتلاعهم، مَن كان يمكنه ردع الفقير عن الغني؟ من كان يستطيع رد جماح المغتال؟ من كان يحسن تقييد رجل السارق؟ من كان يقدر على قمع ثَوَران الزاني؟ من كان يمكنه قطع لسان شاهد الزور؟ وبالإجمال من كان يمسك العالم البشري عن تمزيق بعضه البعض ويحفظ نظامه من الانتثار؟

ثالثًا: إن الإنسان لانطباعه على السوء ينسب جميع المعاصي والقبائح لمن ينهى عنها ويوبخ مرتكبيها؛ وبِناءً على ذلك قد توهم البعض من الأشرار كون جَوَلان خدام مملكة الروح في الأقطار المسكونة هو لأجل غرس الخصومات والقلاقل بين الناس، مع أن الأمر بالعكس؛ أي إنهم يتهمون دائمًا بنشر الاتِّفاق والسكينة في العالم، ولو اضطرتهم الحال أحيانًا إلى ترك السلم وإشعال