صفحة:غابة الحق.pdf/43

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الغابة جميعها أنوارًا؛ فأخذت تتموج بالأضواء الساطعة وصارت شعلة واحدة حتى أظهرت مشهدًا عجيبًا لم أشاهد أبهج وأسنى منه. فصار يظهر لي كأن الأرض أخذت تقذف السماء ليلًا بما طرحت عليها من شُهُب الرمضاء نهارًا، أو كأن جميع عرائس الغاب جعلت ترشق علينا بروق نظراتها، وعدت حينئذٍ أخال نفسي كأنني قائم في وسط فلك يتشعشع بالنجوم والكواكب التي لا عدد لها. وما زلت أتبع بأنظاري هؤلاء الرجال الذين زرعتهم الهمم في جميع أقطار الغابة لكي يذيعوا آثارهم ويبثوا أنوارهم اللامعة، حتى رأيتهم يرجعون منضمين أجواقًا أجواقًا، ويعسكرون وراء المحفل الملوكي مثنى وثلاث ورباع حيثما كان يحثهم الصوت العالي قائلًا: أتموا الصفوف؛ فإني أراكم خلف ظهري.

وإذا أمعنت النظر في هذه الصفوف الملوكيَّة رأيت على صدر كلٍّ منهم لوحًا مكتوبًا به: هذا جندي التمدن دام كاسرًا. وما لبثت أن أخذت بمجامع حواسي جلالة هذا المشهد اللامع بالأنوار والساطع بالبهجة والازدهار، حيثما كان الملك نازلًا في عرشه نزول الشمس في الحمل مغمورًا في أشعة الهيبة والوقار، والملكة بازغة من سماء مجدها بزوغ الزهرة من أفق الصباح مكتسية بحلل الكمال وحلى الجمال، والفيلسوف جالسًا قبالتهما جلوس الدعامة على أساسها موثق الأعين بسلاسل الأفكار والهواجس، وقائد جيش التمدن متخطرًا في محله تخطُّر الأسد في عرينه، وأجواق الجنود مصطفة حول المرسح كالزرازير