صفحة:غابة الحق.pdf/42

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٣٤

الفصل الثالث

مملكة الروح

وإذ كان التمدن والحكمة يناقشان الفلسفة، رأيت جمهورًا آتيًا من شاسع وما زال يحجل متقرِّبًا تحت كراديس الأغصان، حتى بزغ من أفق الغاب وانتصب أمام المشهد المهاب. وبينما كان يظهر لي أن الشمس مالت إلى الطفل، وعاد الغروب يطوي ذلك الشراع الذهبي الذي نشرته أيدي الأصيل على هام الشجر لم أعد أرى حينئذٍ سوى أشباح ضئيلة تتنحنح في الفسحة، ولا عاد يمكن تمييزها لاندفاع تيار الظلام عليها؛ بحيث أوشكت جميع الغابة أن تنمحي تحت أقدام الظلال، أو تغور في غمر الظلمات المتراكمة.

وما كان إلا فترة قصيرة حتى رأيت نارًا لمعت عن بعدٍ فجأة، وصارت تتقرب تاركةً خلفها مصابيح مضيئة. ولم تزل تتكاثر هذه النبارس ممتدةً إلينا وراء العرشين حتى ملأت ميدان النظر. ولما خزقت الأضواء جلباب الظلام رأيت رجالًا كثيرة عليهم أبهة العسكرية، بارزين كمن كمينٍ وهم يوقدون ما لا يحصى من تلك القناديل التي كانت معلقة على الأغصان، وما برحوا يتمون مسعاهم حتى ملأَوا