صفحة:غابة الحق.pdf/38

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المرتعدة وحروبها المتَّقِدة، وتهب مع الرياح الأربع إلى حيث لا يُعرف إلى أين ذهابها ولا من أين إيابها. وتقف حائرة عند نهوض الزوابع وانتشاب الأنواء وتراكُض البروق وانقضاض الصواعق وهدير الرعود، حيثما لا يدرك الباحث من الأسباب سوى ما يظن به ولا يعلم من الحقائق سوى ما يراه ماديًّا. فيغرق في بحور الاندهاش والذهول ملتطمًا بأمواج الهذيان والبحران،1 مأخوذًا بخمرة الهواجس والأوهام إلى أن يصبح كرِيشَةٍ تتجاذبها رياح الأحكام المضطربة، ويأخذ في تصوير الغيوم إلى أشكال وصور تتجدد على ممر الدقائق والأوقات خالعة كل هيئة حقيقية. هناك نهجس بهذه المواد الكونية من أسمى جرم إلى أدنى ذرة، باحثين عن أصولها وفروعها وعلاقاتها ونسب بعضها إلى بعض وغاياتها وأحكامها، ناظرين في كلٍّ من أجناسها حركة متوزِّعة على سائر أنواعه تحت ناموس المناسبة. فالبعض يجمد متصلبًا، والبعض يسيل مائعًا، والبعض ينتشر طائرًا، وهذا ينمو بلا حياة ولا انتقال، وذا يتمتع بالنمو والحياة ولا يتحرك، وذاك يفاخرهما بأسلوب نُمُوِّهِ وحياته وحركته المطلقة والإرادية.

هناك نتصفح هذه الأشياء وتلك الحوادث فنقول إن كلًّا منها له حياة خصوصية تقوم بتدبير وظائفه وحركاته الذاتية، وحياة عمومية تشركه مع بقية الأشياء وتربطه بعللها. ثم لا نرضى فنقول

  1. قوله البحران: الدرجة القصوى من المرض.