صفحة:غابة الحق.pdf/35

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فإذا عرف هذا جميعه يعود متحررًا من سلطان الوقائع ومعتوقًا من عبودية الزمان؛ فلا يلبث معرَّضًا للأكدار والأحزان لعدم ميلانه إليها، ولا يوجد هائمًا بالمسرات والملذات لكونه لا يعتبرها، بحيث يرى الجميع بخارًا يتصاعد قليلًا ثم يضمحل. ومن لا يبالي بالألم لا يشعر بمضضه، ومن لا يعبأ باللذة لا يدرك بهجتها.

إذا كان وقع السيف ليس يمضني
فعندي سواءٌ غمدهُ وغراره
وإن كان جمر الخطب ليس يصيبني
فلا خوف لي مهما يهبُّ شراره
أنا لا أرى في الأرض شيئًا يروقني
لذلك نور العمر عنديَ ناره
أيطربني هذا الزمان وكله
عراك على الدنيا يثور غباره

أما حصول الإنسان على لذة الحياة فلا يقوم إلا إذا طرح ثقل العالم عن ظهره وارتضى بما قسم له من الله لقيام وجوده، خالعًا كل أمارة تجعله عبدًا وأسيرًا لمن يتعالى عليه، وذلك كالحسد والطمع والكبرياء والحقد … وهلم جرًّا. موجهًا أقدامه على هذه الأرض حسبما يهديه الصواب والاختبار، منعزلًا عن الناس ما أمكن، واضعًا لأفكاره ناموسًا يحفظها في قيود الاستقامة والرشد، لاجمًا لسانه عن كثرة الكلام لئلا يحسب تكلُّمه هذيانًا، راكضًا وراء الحكمة والعلم، مُعرِضًا عما يَئُول إلى خراب