صفحة:غابة الحق.pdf/16

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ذلك الجمال البديع، مضطربًا بوقوع تأثيراته على قلبي الذي كنت أضغطه بيدي خوفًا لئلا يطير شَعاعًا؛ إذ لاح لي سطر من أحرف نارية على إكليلها الذهبي يعلن: «هكذا تحيا ملكة الحكمة.»

وإذ شرعت أتأمل بعد تلاوة تلك الأحرف في أبهة هذه الملكة المتواضعة رأيت جبينها زاهرًا بأنوار النباهة والذكاء، وأعينها متَّقدة بأشعة التعقل والفطنة، وأصداغها منتفخة بالحزم والرشد وهي تبتسم بالبشاشة والوقار، ملتفتة إلى ذلك الملك الغضبان التفاتًا يرسم شكل القمر في الليلة الإحدى عشر، ومنحنية أمامه بأيدٍ منبسطة تستميل خاطره وتستعطف قلبه بكلام يقع في السمع وقوع الدُّرِّ في الصدف، فسمعتها تقول له هكذا: نعم يجب التغاضي عن هذا الملك الظالم الذي لا يبرح مجتهدًا في زرع زوان الخشونة والتوحش في حقل مملكتنا ذات التمدُّن والتهذيب، ولا ينبغي الإضراب عن استئصال كل أعوانه وأنصاره الذين يلبَسون جلود الحملان، وينشرون ما بين خراف رعايانا كلما غفلت عنهم أعين التيقُّظ والانتباه، واضعين على وجوههم براقع المكر والخديعة حتى إذا ما تمكنوا من استعطافهم بقوة الاحتيال يأخذون حينئذٍ بإفساد ضمائرهم السليمة، مُظهِرين لهم شرف التعبُّد لملكهم وما به من الفوائد والمنافع إلى أن يطرحوهم أخيرًا بأيدي ذئاب عبوديته، ولكن مع ذلك لا ينبغي معاملة ذلك الملك العنيد وأولئك الأعوان المرَدة إلا بما يقتضيه قانون شريعتنا العادلة؛ أي بالأناءة والحلم والتدقيق حذرًا لئلا تحسب من الأجانب ظُلَّامًا أو حمقى.