صفحة:غابة الحق.pdf/141

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الحركة؛ لأنني لم أعد أشاهد شيئًا ممَّا كان إذ وجدت نفسي منفردًا في برِّيَّة منخفضة لا نبات فيها ولا حيوان.

وعندما أَجَلْتُ نظراتي في أقطار هذه الفلاة المقفرة أخذتني رعدة الخوف والهلع، وشملتني شمول الكمود والكآبة، وعدت حائرًا في أمري؛ فسكوت الموت كان يحوم على هذا القفر الوجوم، ولم يوجد فيه من الكائنات سوى أتربة تبعذِرها أرجل الرياح. وحصباء توهم فراش بحرٍ جاف، وصخور تشهد على قساوة الزمان، وكان الشفق كالحديد المحمي يتطفَّا على كور المغرب بمنظر يستفز الكروب ويستهز الرعشة، ولم يكن مسموعًا في هذا الغور الراسخ في حضن الوحدة سوى تعب الْبُوم وصراخ ابن آوي، وكلما كنت أثبت تأمُّلي كان يتزايد في باطني حراك الكمد والكرب، وكلما أطلقت أنظاري إلى السماء لأنال تعزية رددتها ممتلئة من البهتة والجمود؛ لأنها ما كانت ترى سوى سحابات متوقِّدة تندفع من الجنوب إلى الشمال، طارحة على الأرض نارًا ودُخَانًا، وبينما كنت أردد أفكاري في هذا المشهد الصامت وأسرح نواظري في هذه البيداء المجدبة، وإذا تَلٌّ مرتفع يلوح لي فسرت إليه وصعدت على قمته ووجهت وجهي إلى جهة المشرق حيثما كان القفر يسبح تحت أعيني في تيار الظلام، وإذ أعطيت صغيًا سمعت صوتًا ينادي من بعيد هكذا: هذه برية الشهباء فلتبشر بقدوم الخير.

فقلت في نفسي: من أين سيأتي الخير إلى هذه القفار المجدبة والساقطة من أعين العناية منذ ألف سنة فأكثر؟ إن في هذه البشرى ضربًا من