صفحة:غابة الحق.pdf/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تلك الفسحة المحاطة بذلك الشجر الهائل وقوع قبة من زجاج على عمد وقناطر من زبرجد، وإذ أطلقت نظري قليلًا وجدت صخرة منفردة القيام مائلة على ناحية يتدفق من أسفلها غدير عظيم تدفقًا يسابق الطير سرعة، وهو يتشعب إلى جوارٍ تذهب متشتتة في أقطار ذلك الحرش تاركة عند انفصالها صياحًا وأنينًا موجعَين.

وبينما كنت شاخصًا في هذا المشهد البهيج، ومتأملًا بما تصنعه الطبيعة من الفلتات الغريبة؛ وإذا بعاصف من الريح قد نهض من سكناته، وهب هبوبًا كاد أن يقتلع جميع الغابة ويطير بها إلى أعالي الجبال الشامخة.

نفضت نواظري إذ ذاك لدى تلك الزوبعة الطائرة خوفًا من لذع غبارها الثائر، ولما فتحت أجفاني رأيت عرشَين منتصبَين أمامي على الفور كأنهما مصاغان من الذهب الإبريز، وهما مرصَّعان بأفخر الأحجار الكريمة، ووضعهما كان قريبًا من تلك الصخرة وذلك الغدير، وفي كلٍّ منهما لمحت شخصًا جالسًا وعليه من اللياقة والكمال ما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر.

أما الشخص الأول: فكان رجلًا مكتسيًا حلة أرجوانية تتلامع كأنوار الضحى، وفي يده اليمنى صولجان طويل، وقابض باليسرى على رقعة مطويَّة بغير نظام وهو معتقل سيفًا ذا شفرتين، وعلى رأسه تاج مكتوب على إكليله: «يعيش ملك الحرية.» وكانت عيناه تتناثر شررًا وهو عاقد الحاجبين مقطب الوجه؛ بحيث يتضح للناظر كونه منفعلًا بنوبة عظيمة من الغضب لأمور تدخل في سياسته، وكان شاخصًا في نقطة من الأفق يتصاعد منها