صفحة:غابة الحق.pdf/139

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

۱۴۱

وعبدًا لك يا قائد الكذب والنفاق.

ولما كان الطبع البشري يأنف ويستنكف جدًّا من تكلُّم الخلاف، ولا يميل إلا إلى صدق المقال وإثبات الحقيقة، كان الإنسان الذي لا يصدق بلسانه ولا يستقيم بجناحه مكروهًا حتى من نفس طبعه أيضًا، على أنه يرى طبعه مضادًّا طبيعته فيكره نفسه.

فيجب على كلٍّ من الناس أن لا ينقاد إلى حكم هذا الروح الشرير منذ نعومة أظفاره عندما يكون التعوُّد سهلًا، وأن يرفض كل تلفُّظ يُنسب إليه مهما كان وهنًا؛ لأن الذي يبتدئ بالصغائر قد تهون عليه الكبائر، والذي يفكر في القليل يتصل إلى الكثير؛ لأن الفكر من شأنه أن يطير بأجنحة أدنى تصوُّرًا إلى قبة فلك التصورات حيثما لا يوجد نهاية ولا قرار.

وهكذا فلا جناح على ملك التمدن إذا كان يهلك كل الذين يتكلمون بالكذب؛ لأنهم يسعون في خراب مملكته بما تترك ألسنتهم المنافقة من الأضرار الكلية والجريئة؛ كإثارة الفتن وإلقاء الفساد وتبغيض المحبِّين وإغراء ذوي الغفلة والسذاجة ونحو ذلك، فهذه جميعها أطوار تعارض سير التمدن وتباين آرابه ولا تتفق مع نزاهة الطبع الإنساني بما فيها من الآثار الذميمة، فلا ظلم إذا طُرد قائد الكذب والنفاق طردًا مطلقًا لعدم نفعه في شيء، وإقامة الصدق والحق مكانه.

ولما كانت الخيانة قائدة كل هؤلاء القواد وحاملة بيرقهم الأسود وأصلًا تتفرع عنه أكثر الخصال الناقصة والصفات غير الصافية،