صفحة:غابة الحق.pdf/129

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فما أنت يا أيها الروح الشرير إلا آلة بها يفتك الناس ببعضهم، وبها نشأ كل كريهة وعدوان. فكم كنت سببًا لسقوط ممالك وزوال ملوك وعظماء! فبك تشتت قايين إذ أوقعته في معصية القتل، وبك جمدت امرأة لوط إذ أطعمتها بسبر غضب الله، وبك طردت هاجر إذ نزلتَ في قلب سارة، وبك طلب يعقوب الفرار إذ أثرت سخط العيس، وبك سقط يوسف في البئر وبيع وأُسر إذ فشيت في أرواح إخوته، وبك زهقت روح شاول إذ ملأته حنقًا على داود، وبك تبلبلت دولة المكدونيين إذ أفرغت فيها سمومك، وبك قُتل يوليوس قيصر إذ دخلت في قلوب أصحابه، وبك وبأفعالك قد رُجمت الفلاسفة ورُذلت العلماء وانخذلت الأمة.

فكم يجب على البشر أن ينفروا عنك ويبغضوك يا أيها الحسد والطمع؛ لأنك تجتهد على الدوام في إلقاء الحقد والبغض ما بينهم وفي تفريق شملهم؛ إذ تجعلهم أخصامًا وأعداءً لبعضهم إفرادًا وإجمالًا، فمتى دخلت في قلب إنسان جعلته عدوًّا مبينًا لأنداده، ونازعته الراحة والحرية، فإذا كان ملكًا أخذ يضارب الملوك ويشن الغارات عسى ينال المرتبة الأولى على الجميع. وإذا كان وزيرًا جعل يناكد الوزراء ويوشي بهم عند الملك رغبة في الارتقاء عليهم، وإذا كان شريفًا شرع ينم على الأشراف ويستهجنهم إزاء العامة ويقذفهم بكلمات الاحتقار أملًا في أن يعمي عيون الناس عن أن ترى شريفًا سواه. وإذا كان غنيًّا تاجرًا طفق يسخر بالأغنياء التجار ويشنع بهم ويشيع عنهم أخبار