صفحة:غابة الحق.pdf/126

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أخيرًا بعدم إمكانية الإدراك العام فيرجع بصفقة المغبون. هكذا العلم يعرض للدارس حقائق ومبادئ أكثر كلما ازداد توغُّلًا فيه إلى أن يجزم أخيرًا بامتناع الاطِّلاع المطلق، فيرتد ضاربًا أسدريه آخذًا الجهل عذرًا له.

فعلى كل حال إذنْ يجب أن يكون العلم والجهل مترافقَين في خدمة مملكة التمدن، ولكن بشرط أن يكون الثاني مردودًا إلى الأول؛ وهكذا يكون كلٌّ منهما عارفًا بواسطة رفيقه حقيقة حدوده، فيلبث الواحد مجدًّا في تمهيد مسالك العمار والطلب، ويرجع الآخر عن المعارضة إلى توقيف خطوات الخراب والدعوى؛ بحيث يصير هذا مدرِكًا حدَّه وذاك عارِفًا نفسَه.

الكبرياء

أما أنت يا أيها الكبرياء فمن أدهى الأرواح التي تتعب في مرادها الأجسام، ومن أعظم القوَّات التي تجعل البشر سالكين تحت نير العبودية؛ لأنك تتركهم عديمي الحرية في تتميم مقاصدهم وواجباتهم. فتعدم كلًّا منهم جزءًا كبيرًا ممَّا يخصه من الحقوق على الهيئة التي هي أيضًا تفقد أهم حقوقها على أبنائها؛ بحيث يصير هذا محرومًا من التمتُّع بتمام الألفة والمخالطة، وتلك معاقة عمَّا تطلبه من الانتظام والالتئام.

فهل دخلت يا أيها الروح الشرير في أحدٍ إلا وتركته خابطًا في لُجَّةِ البلبال والتعب، وجعلته مرذولًا ومبغوضًا من جميع بني نوعه، فحيثما جلس رأى نفسه أرقى من محله وأعز من جلسائه، وإذا ألقى سلامًا على أحد أو تكلم معه زعم أنه صنع تنازلًا عظيمًا أو منح الفوز الكبير وإن