صفحة:غابة الحق.pdf/12

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٤

عاينت برية فسيحة جدًّا. ولاح لي عن بُعد بيرق يخفق مقتربًا فوضعت نظارة الاختبار وأمعنت النظر فرأيت مكتوبًا به العلم يغلب وظهر لي حينئذٍ من ورائه جيوش التمدُّن الزاهر ممتطية متون الاختراعات العجيبة والمعارف الكاملة، وهي تخطر متموجة بأنوار أسلحة الحكمة والعدل، متدرعة بدروع الحرية الإنسانية والخلوص المحض، ورأيت أمام هذه الجيوش المظفَّرة تتراكض ممالك الظلام مع كافة أجنادها، ناكصة على أعقاب القهقرة والانكسار، وهي تزاحم بعضها البعض إلى الهبوط في لجج العدم والاضمحلال حيثما لا حركة ولا صوت؛ وهكذا مدت دولة العقل قوتها على كل بقعة ومكان، وعم السلام على كافة المسكونة. وبينما أنا مشمول بشمول هذه المرئيات التصوُّرية في هذا العالم الفكري، ثملٌ بما أشاهد في هذا المرسح الجديد الذي تتلامع به شموس هذا العصر الحديث، وإذ قد ظهر لي من وراء الأفق الغربي دخان كثيف مُدْلَهِمٌّ، وأخذت آذاني تسمع لغطًا آتيًا من بعيد يشبه لعلعة رعد شاسع، وكادت حينئذٍ نواظري تستلمح تلامُع أسلحة الحرب، وإذ داخلني روح العجب لما عاينت من المنقلب، نادتني أصوات الأخبار الشائعة قائلة: هو ذا العالم الجديد (أمريكا) قد رفض قبول شريعة التعبُّد؛ ولذلك قد نهض ضد هذه العادة الخشنة بالأسلحة والنار إذ لم يعد يحتمل وجود بقية لدولة التوحش على سطح الأرض، وها دخان المواقع يبرقع وجه السماء، وتموجات رعود المدافع تنفتح في كتلة الهواء. فعندما استوعبت هذه الحوادث ووفيت