صفحة:غابة الحق.pdf/11

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٣

الجرار تحت الراية الخافقة، إلى أن مدَّ بساط سطوته على كل أولئك الشعوب الذين كانوا يرفلون في حلل الثروة والنعيم؛ فأحنى كل ركبة لدى تلك النار الفارسية، وأهال كل قلب بطلعة ذلك الأسد السائد وما برحت دولة فارس ممتَّعة بتلك الأراضي المحروسة وذاك الغنى الوافر، حتى برزت عساكر مكدونية وأحدقت من كل جانب تحت بيارق الإقدام والبسالة، مثيرة لهب الحروب الهائلة، إلى أن ظفرت بجميع هاتيك الممالك، وأخمدت نار فارس، ولم يزل الصولجان المكدوني يفرع تقدمًا ونجاحًا، وميدان ملكِه يتسع بالسطوة والاقتدار إلى أن رأيت نسر الرومانيين صاعدًا من الشمال وهو يخفق بأجنحة النصر والظفر، منقضًّا على جميع ما امتلكه المكدونيون من تلك الممالك الواسعة والبقاع الشاسعة؛ وهكذا قد بسط جناحيه وخيَّم على العالم؛ فانتصب لدى أعيني حينئذٍ قوس النصر الروماني في وسط ساحة الدنيا، وعدت أرى جميع شعوب الأرض تتقاطر أفواجًا أفواجًا، وتمر تحت ذلك القوس العظيم إشارةً للخضوع والطاعة، وما برحت تلك الدولة العجيبة تمتد وتتسع بالغلبة والجبروت إلى أن انفطرت إلى شطرين عظيمين؛ فكان الأول شرقيًّا، والثاني غربيًّا، فأخذ ذاك يتعاقب بين ارتفاع وهبوط تحت رحمة الأقدار، وهذا يتشعب ويتفرع إلى جملة ممالك وولايات تحت اختلاف الأطوار، ولم تزل تحصحص لأعين فكرتي تلك الظواهر، إلى أن انفتح أخيرًا لدى أبصار بصيرتي باب رحبٌ مكتوب على قنطرته: «العقل يحكم» ومنهُ