صفحة:غابة الحق.pdf/119

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الضرب، فلما رأيت حياتي وقعت في الخطر رفعت مهابته من قلبي وهجمت عليه غائبًا عن الرشد والحس وواقعًا في اليأس؛ فمسكت يديه بقبضتي ودفعته على الحائط دفعًا شديدًا، ورفست بطنه برجلي حتى كدت أخترط أمعاه، وقلت له: أقتلك أو تطلق سبيلي يا أسود الطبع. ولما أخذ يعاركني وهو في غليان الهيجان وإغراق الافتتان تناولت الحبل المُعَدَّ لي وشددت به يديه ورجليه وألقيته موثقًا بدون حراك. وإذ نظرت ذلك امرأته وأولاده أخذوا يصيحون ويضجون ليجمعوا الجيران؛ ففتحت الباب وطلبت الفرار وأبقيتهم في طغيانهم يعمهون.

وما زلت أركض هائمًا على وجهي حتى بلغت دسكرة فدخلتها وطلبت حجرة للنوم فأجيب طلبي، فتوغَّلت في هذه الحجرة وأغلقت الباب، ثم انطرحت على الفراش كالقتيل، ولم يكن ما يُستنار به سوى سراج طفيف، ومن حيث إن أوجاعي وأفكاري كانت في غاية الثوران لم يمكن للغَمض أن يمرَّ بأجفاني، ولم يقدر الارتياح أن ينبث في عظامي. وبينما كنت أتأمل السراج الذي كان موضوعًا نُصب عيني وأنا مشمول بشمول السدر إذ رأيته يتراقص كفرائصي ويخفق كقلبي، وما لبث هكذا أن سلم روحه فاختطفتني موجة الظلام وابتلعني غمر الدجى وأطبقت البئر عليَّ فاها، وما كنت أرى سوى ظلمة الموت، ولا أسمع سوى رمز الرياح المتلاطمة بين الأبنية؛ فصارت هوام الأوهام تتطاير في حرش مخيلتي تطايُر الشرر المنتثر، وعادت غربان