صفحة:غابة الحق.pdf/117

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وقساوة، حتى إنه مرارًا عديدة كان يربطني بالحبال ويجلدني بالسوط لأقل سبب، كعدم طيراني كالباشق حينما يدعوني، أو عدم إجرائي ما يكون في ضميره كالواجب، وطالما كان يقول لي: أما تعلم إرادتي؟ أما فهمت مزاجي؟ هذا وقد كنت في سنٍّ لا تسمح لي بعلم الضمائر الخاص بالله، ولا بفهم الأمزجة المنوط بالأطباء.

ولم أزل صابرًا على هذا العذاب الأليم ومقاسيًا صعوبات هذا المولى الظالم، حتى بلغت الثمانية عشر عامًا وخرجت من مجزرته. وكان سبب خروجي أنه أرسلني ليلةً ما لاستدعاء أحد جلسائه عنده فخرجت مسرعًا لقضاء أمره، وكنت في أثناء طريقي أرفع نظري إلى الجوِّ لأستعلم ابتداء هبوط الأمطار؛ لأن السماء قد كانت في تلك الليلة موشَّحة بالغيوم الكثيفة ومدلهمَّة على شكل مريع جدًّا، وكانت البروق تتلوَّى كالحية الرقطاء، وتنسحب من سحابة إلى أخرى مخترقة أعماق الفلك.

فما بلغت نصف الطريق حتى انفتحت ميازيب السماء، وانحل وكاء السحاب، وابتدأ يهبط برد عظيم كالحجارة؛ بحيث صرت أظن أن السماء شرعت ترجم الأرض، أو الضربة السابعة نهضت من كمين القدم. وكانت أصوات الرعود تزلزل أساسات المسكونة، وانتشاب الرياح ينسف الجبال نسفًا؛ فأخذتني الدهشة والرعدة مما لم تتعوده عيني في تلك الديار لندرة حدوثه، فما كنت أشك حينئذٍ أن الخليقة جميعها تموج هلعًا. ولما لم يَعُدْ يمكنني المسير خوفًا من سحق حجارة البرَد رأسي وتهشيمها عظامي، تواريت في إحدى