صفحة:غابة الحق.pdf/116

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

والقزاز. أما مقتنصونا فكانوا يزدادون قساوة كلما ازددنا بكاءً وازدادت والدتنا انتحابًا وململة؛ فكانوا يضربوننا ويزجرونها ويلطمونها في صدرها ويرفسونها بأرجلهم ويلقونها على الأرض، وهي لم تزل تندب وتذرف العبرات وتتوسل وتتضرع بأيديها وبكل أطوار وجهها، وهم لم يزالوا يلطمونها ويصرعونها حتى غُشي عليها وانطرحت على وجهها معفرةً وكأن لم يكن بها نفَس، وما كادوا يبعدون عنها قليلًا حتى أنعشتها أرواح الحنية وضوضاء عويلنا؛ فوثبت على أقدامها منهتكة وأطلقت المسير إلينا ثانية؛ فإذ رأوها قاصدة عادة الماضي مدَّ أحدهم على هذه الأم المنكسرة الخاطر بندقية وأطلق الرصاص في أحشائها فسقطت على البساط المقفر وتلوَّت قليلًا بتنهدات متقطعة وسلمت الروح متكفنة بالرمال.

وعندما وقعنا في اليأس من الخلاص صمتنا آخذين الصبر الذي هو سند المصابين عونًا لنا. وأخذت الأباطح تسيل بأعناق المطايا التي كانت حاملة كثيرين من بني جنسي قنصًا. ولم نزل نفري بطون السباسب والقفار حتى بلغنا الرستاق المصري. أما أنا فلم أعلم ذاتي بعدُ إلا مسلَّمًا بيد أحد تجار العبيد ومنادًى على بيعي في سوق القاهرة؛ فاشتراني رجل من الأغنياء وأدخلني في داره للخدمة، وأما أخي فما كنت عالمًا ما تم به وكأنه صار نسيًا منسيًّا، فجعل هذا الرجل يعاملني بأقسى المعاملات، وأخذت أطيعه الطاعة العمياء، ولكن لسوء حظي لم تكن طاعتي موجِبة لراحتي؛ لأنني كلما كنت أزداد نشاطًا وهمة في خدمته كان يزداد صرامة