صفحة:غابة الحق.pdf/110

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

السلوك؛ لأنه إذا دخل كلٌّ من الناس إلى مخدع ضميره إنما يرى ذاته نافرًا كل النفار عن ارتباطه بعبودية غيره، ومتوجعًا كل التوجع لمن دفعته الأقدار في فخاخ هذه العبودية الأدبية الخاصة، زيادة على تلك الطبيعة العامة السابق ذكرها. وليس الإنسان وحده ينفر طبعًا عن هذه الغلبة بل أكثر الحيوانات أيضًا، على أنه متى عارض حركة أميالها مانعٌ ما ظهرت عليها حالًا دلائل الانزعاج وأشائر المدافعة، فلا يبرح الأسد الواقع في القنص يزأر ويضج حنينًا إلى الغاب والعرين، ولا يزال النمر الموثَّق بالسلاسل يصرخ ويعج رغبة في الوثوب إلى أعالي الجبال، ولا يفتر الكلب يَهِرُّ وينبح طالما يكون مسجونًا، ولا ينفك الطائر المأسور في القفص يخفق ويصيح شوقًا للطيران إلى رءوس الشجر وهلم جرًّا.

فإذا كان الحيوان العديم النطق لا يحتمل مضض الرق، ولا يصبر على ضنك الاستعباد، فكم يكون الإنسان الناطق خليقًا بعدم احتمال هذه المشاقِّ عندما يقع في شِراكها، وجديرًا بطلب المناص. وكم يكون خشنًا بربريًّا من يهجم على باعة الأسرى ليتعاطى بيع أو شراء أشباهه في الطبيعة وعدلائه في الحد والرسم؟! وكيف يمكن الإنسان الطبيعي أن يشاهد إنسانًا نظيره مغلولًا بقيود التعبُّد والأسر ولا يجم غضبًا ويؤخذ بخواطر الشفقة والحنانة، لا سيما إذ يرى ذلك العبد الوجع القلب والمنكسر الخاطر مرتعدًا إزاء مولاه الأليم القاسي كالفريسة بين مخالب الوحش الضاري؟! وربما أفضت قساوة