صفحة:غابة الحق.pdf/10

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

مقدمة

إنني بينما كنت ذات ليلة ضاربًا في أودية التأملات العقلية، وطائرًا على أجنحة الأفكار المتبلبلة في جو الهواجس والأحلام التخيُّلية، وإذا قد انفتح لدى أعين خواطري مشهد عجيب تلعب فيه أشباح الأعصار السالفة، وترنُّ في هوائه نغمات الشعوب الغابرة من وراء حجب التواريخ الخالدة؛ فرأيت ممالك العالم القديم تتعالى إلى أوج العظمة والكرامة، وترتقي إلى سدرة الآداب والتهذيب حيثما ينتهي مجد الإنسان النازل من الخليقة منزلة الأول من العدد. فبينما كنت أرى المصريين مشتغلين بتهذيب الفلاحة والزراعة وتربية العلم وصناعة الأيدي، والآثوريين مجدِّين في اختراع ظرافة المشادات والأبنية، والفينيقيين آخذين بتوسيع المتاجر وشق عباب البحار وتقريب صلة الهيئة الاجتماعية؛ وإذا راية فارس مقبلة من بعيد حاملة شمسها الساطعة وأسدها الزائر، وهي تخفق على رءوس جيش عرمرمي يتموَّج فوق صهوات الخيول الصاهلة التي كلما كانت تضرب بحوافرها أديم الأرض، كانت تثير غبارًا يلقي وخط الشيب على هامة الزمان وينسج برده الأشهب لجسد التاريخ. وهكذا لم يزل يتقدم ذلك الجيش