صفحة:غابة الحق.pdf/102

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فتنحنح القائد ونظر إلى الفيلسوف بدعة وقال له: إن جميع ما شرحته عن التمدُّن وكيفية أصوله وواجباته أعلمه جيدًا، وطالما أتعبت ذاتي في نشره بين الآفاق ورفع رايته، ومع ذلك أشكر فضلك على توضيحك إياه لي، ولكنني لا أزال أرى انتشاره بين شعوب مملكة العبودية عسِرًا وشاقًّا إلى الغاية ولو كانت دعائمه مرتكزةً على قلب الإنسان الطبيعي. ومن المعلوم أن الفساد إذا أخذ سعته في محل ما ومكن ذاته خاصةً تحت مجرى سنين كثيرة فلا يعد إصلاحه إلا ضربًا من العبث، كيف تنصلح الخمر إذا صارت خلًّا؟ كيف يحيا العضو إذا تغنغر (أي أصابته الميتوتة)؟ كيف يرجع الحديد إذا صار صدئًا؟

إن الخمر تنصلح باقتلاع الاستحالة الخلِّيَّة منها بواسطة شيء من القلويات، ويحيا العضو المتغنغر بإرسال المنبهات والمنقيات إليه كأملاح النوشادر والكلس، ويرجع الحديد بتصعيد العنصر الهوائي منه.

وبينما كان الفيلسوف يجاوب القائد على قواعد فن الكيمياء؛ لمع جمهور يتسرب إلى جهة المحفل النوراني، وهو يتشكل بكتلته ويسرع تارة ويبطئ أخرى حسب أهواء عوارض الشجر، وكان يأتي منه صوت صليل حديد، ولم يزل متقربًا حتى نفذ في المرسح الملوكي واستقبل بوجهه طفحات الأشعة، وهناك توقف عن التقرب، وعندما أجلت فيه طرفي وجدته مركبًا من تسعة أشخاص مقيدين من أرجلهم