صفحة:غابة الحق.pdf/101

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تدعو إليها بدون زيادة ولا نقصان، أما ترى كيف أن الرئتين اللتين هما عضوا التنفُّس لا يتناولان من الهواء الذي به تقوم الحياة إلا ما يكفي لقيام هذه الحياة وما لا يؤثر عليهما ضررًا بحيث لو عرضتا بأجمعهما إليه لفتك بهما وبكل الأعضاء عمومًا؛ فلمنع هذا الفتك الشديد تحفظتا منه ضمن حجاب متين وأخذتا تفتكان به رويدًا رويدًا.

فهكذا كل إنسان يجب عليه اعتناق المحبة عامة وخاصة وتحريكها حسب الاقتضاء بدون تسليم ذاته لجميع قوَّاتها حذرًا من فتكها به وتمزيقها جلباب راحته؛ وبذلك تقوم هذه الدعامة الخامسة للتمدُّن أو السلك الذي به تنضم فرائد البشر بعضهم إلى بعض.

وبعد أن ختم الفيلسوف مقالته هذه أثبت عينيه في الأرض قليلًا كأنه يقصد إراحة فمه من كثرة التكلم، وجعل يخط في الثرى. ثم نظر إلى الذي كانت سحنته مرآة ترتسم عليها علامات صغيه وارتياح نفسه، وقال له: هاك دعائم التمدن، فإذا كان الإنسان قد خلق كاملًا في الإنسانية متخلقًا بصفات خلقته ومشبهًا بكمالاته لا يكون عندنا شك إذ ذاك في كون هذه الدعائم مرتكزةً في قلبه حاملة اسم الناموس الطبيعي حسب تعليم الأيتيكا (الفلسفة الأدبية)، ولا يعود لنا ريب بكون تقلُّبات الظروف وكرور الأزمان قد قلقلت تلك الدعامات وأفسدت ذلك الناموس؛ وبِناءً عليه لا يكون عسِرًا تثبيت قلقلة الثابت وإصلاح فساد الصالح، ولا يحتاج هذه الأمر إلى مُضي أجيال وقرون.