صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
فلما دنا منه تذكر شجوه
وآنس مما قد رآه تشوقا
وهيج منه حائل دون ذبحه
فأرسله من أجل ليلى فاعتقا
ألا لا تلمه بل له اليوم حرقة
من الوجد لا يزداد إلا تحرقا

فوالله إني لفي ذلك إذ أقبل راكب فقال: اللهم إني أسألك خير ما عنده، فجاء حتى وقف فقال: اصبر يا قيس، قال عمن قال؟ عن ليلى، فقام إلى بعيره وقمت إلى بعيري فشددنا عليهما ثم أقبلنا إلى الحي فقال: أرشدوني إلى قبرها، فأشاروا له إلى قبر حديث عهد بطين، فأكب يقبله ويلتزمه ويشم ترابه وأنشأ يقول:

أيا قبر ليلى لا شهدناك أعولت
عليك نساء من فصيح ومن عجم
ويا قبر ليلى إن في الصدر غصة
مكان الشجى سدت مع الريق بالسلم

ثم شهق شهقة فمات، فدفنته أنا والراكب، وأنشأت أقول:

سابكيكما ما عشت حيا وإن أمت
فإني قد لاقيت ما تجدان

قيل للمجنون: أتحب ليلى؟ قال لا، قيل ولم؟ قال لأن المحبة ذريعة للرؤية فقد سقطت الذريعة فليلى أنا وأنا ليلى.

أنشدنا محمد بن المنذر للمجنون:

تذكرت ليلى والفؤاد عميد
وشطت نواها والمزار بعيد
يبدي الهوى من صدر كل متيم
وحبي لليلى ما حييت جديد

قال الأصمعي: لم يكن المجنون مجنونا ولكن كانت فيه لوثة كلوثة أبي حية النميري، وهو من أشعر الناس، ومن جيد شعره:

أما والذي أبكى وأضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى
أليفين منها لا يروعهما الزجر
فيا حبها زدني جوى كل ليلة
ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ويا هجر ليلى قد بلغت بي المدى
وزدت على ما لم يكن صنع الهجر