صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/57

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
فلا تلحننى يا سعيد فانني
وحق إلهي هالك بقليل

قال كثير عزة: خرجت أريد قضاء حاجة لي فضللت الطريق فإذا أنا برجل قاعد فقلت إنسي أنت أم جني؟ فقال بل إنسي، فقلت ما أقعدك ها هنا؟ فقال إن هنا صيادا فأحببت أن أنظر إلى صيده، فأنخت راحلتي قريبا منه، فبينا نحن نتحدث إذ اضطرب الحبل فقام وقمت فإذا بظبية كأحسن ما يكون من الظباء واسمنهن، فاستخرجها برفق، وجعل يقبل خديها وعينيها ثم أرسلها وهو يقول:

اذهبي في كلاءة الرحمن
أنت منى في ذمة وأمان
فتهني فالجيد منك لليلى
والحشا والبغام والعينان
لا تخافي بأن تسامي بسوء
ما تغني الحمام في الأغصان

قال كثير: فأعجبني ما رأيت منه، فأقمت عنده، فلما كان من الغد غدا ونصب حبالته، فما لبث أن اضطرب الحبل، فقام وقمت فإذا ظبي كنحو ما كان بالأمس، ففعل به كما فعل بالآخر، فمضى غير بعيد ثم وقف ينظر إليه وأنشأ فقال:

ايا شبه ليلى لا تراعي فانني
لك اليوم من وحشية لصديق
فعيناك عيناها وجيدك جيدها
سوى أن عظم الساق منك دقيق

ثم لبثنا يومنا وليلتنا، فلما كان من الغد غدا وغدوت وصنع مثل صنيعه، فإذا نحن بظبية قد وقعت في الحبالة، ففعل مثل ذلك فخلاها وأنشأ يقول:

تذكرني ليلى من الوحش ظبية
لها مقلتاها والمقلد والحشا
فينهل دمع العين يجري لذكرها
وأسفي عليك القلب بالدمع ما جرى

فقلت: لله أبوك، ما أعجب شأنك فالتفت إلي ثم قال:

أتلحى محبا هائما أن رأى لمن
أحب شبيها في الحبالة موثقا