صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/38

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

كان خليقًا أن يشير بحفر الخندق لو لم يكن سلمان الفارسي بين أهل المدينة في إبان الهجمة عليها، لأنه عليه السلام كان شديد الالتفات إلى سد الثغور وحماية الظهور في جميع وقعاته، وفي وقعة أحد جعل الجبل إلى ظهره وأقام على الشِّعب الذي يخشى منه النفاذ والالتفاف خمسين راميًا مشددًا عليهم في التزام موقفهم، قائلًا لهم: «احموا ظهورنا فإنا نخاف أن يجيئوا من ورائنا والزموا مكانكم لا تبرحوا منه، وإن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا، وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل».

والذي يفعل هذا في شِعب جبل لا يفوته أن يفعل مثله في ثغرة مدينة، ولكن المشاورة هنا هي المقصود بالمضاهاة بين ما سبق إليه النبي وما نبغ فيه نابليون، فهذه خصلة معهودة في كبار القواد لا تقدح1 فيما عرفوا به من قدرة على وضع الخطط وابتكار الأساليب.

٦- ولم يعرف عن قائد حديث أنه كان يعنى بالاستطلاع والاستدلال عناية نابليون. وكانت فراسة النبي في ذلك مضرب الأمثال، فلما رأى أصحابه يضربون العبدين المستقيين من ماء بدر، لأنهما يذكران قريشًا ولا يذكران أبا سفيان، علم بفطنته الصادقة أنهما يقولان الحق ولا يقصدان المراء2، وسأل عن عدد القوم فلما لم يعرفا العدد سأل عن عدد الجُزورِ التي ينحرونها كل يوم، فعرف قوة الجيش بمعرفته مقدار الطعام الذي يحتاج إليه. وكان صلوات الله عليه إنما يعول3 في استطلاع أخبار كل مكان على أهله وأقرب الناس إلى العلم بفجاجه4 ودروبه5، ويعقد ما يسمى اليوم «مجلس الحرب» قبل أن يبدأ بالقتال، فيسمع مِنْ كِلٍّ فيما هو خبير به من فنون حرب أو دلائل استطلاع.

٧- واشتهر عن نابليون أنه كان شديد الحذر من الألسنة


  1. لا تطعن ولا تؤثر
  2. الكذب والتمویه
  3. يستعين
  4. الفج: الطريق الواسع بين جبلين
  5. الدروب: باب السكة الواسع
٣٨