صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/37

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وهكذا كان النبي عليه السلام يحارب قريشًا في تجارتها، ويبعث السرايا في أثر القوافل كلما سمع بقافلة منها.

وأنكر بعض المتعصبين من كتَّاب أوروبا هذه السرايا، وسموها «قطعًا للطريق». وهي هي سُنَّة المُصَادَرة بعينها التي أقرها «القانون الدولي» وعمل بها قادة الجيوش في جميع العصور. ورأينا تطبيقها في الحرب الحاضرة والحرب الماضية، رشيدًا تارة وغاليًا1 في الحمق والشطط2 تارة أخرى.

٤- وقد أسلفنا أن نابليون كان يوجه همه إلى الجيش، ولا يقتحم المدن أو يشغل باله بمحاصرتها لغير ضرورة عاجلة.

ونرجع إلى غزوات النبي عليه السلام فلا نرى أنه حاصر محلة، إلا أن يكون الحصار هو الوسيلة الوحيدة العاجلة لمبادرة القوة التي عسى أن تخرج منها قبل استعدادها، أو قبل نجاحها في الغدر والوقيعة، كما حدث في حصار بني قريظة وبني قينقاع، فكان الحصار هنا كمبادرة الجيش بالهجوم في الميدان المختار بغير كبير اختلاف.

٥- وكان نابليون معتدًّا برأيه في الفنون العسكرية ولا سيما الخطط الحربية، ولكنه كان مع هذا الاعتداد الشديد لا يستغني عن مشاورة صحبه في مجلس الحرب الأعلى قبل ابتداء الزحف أو قبل العزم على القتال. ومحمد عليه السلام كان على رجاحة3 رأيه يستشير صحبه في خطط القتال وحيل الدفاع ويقبل مشورتهم أحسن قبول. ومن ذلك ما صنعه ببدر — وألمعنا4 إليه آنفًا — حين أشار عليه الحباب بن المنذر بالانتقال إلى مكان غير الذي نزلوا فيه أول الأمر ثم بتغوير 5 الآبار وبناء حوض للشرب لا يصل إليه الأعداء، وقيل في روايات كثيرة إنه عمل بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق عند المنفذ الذي خيف أن يهجم منه المشركون على المدينة، فحفر الخندق وعمل النبي بيديه الكريمتين في حفره.

وقبول النبي مشورة سلمان عمل من أعمال القيادة الرشيدة، وسنة من سنن القواد الكبار، غير أننا نعتقد أنه عليه السلام


  1. من المغالاة وهي مجاوزة الحد
  2. الشطط : مجاوزة القدر في كل شيء
  3. اي قوته وسداد
  4. المراد : اشرنا
  5. لعل المراد: طمسها
٣٧